فصل: القسم الأول‏:‏ الضوابط التي تصلح لجميع كتب أهل العلم نقدم لها بمقدمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهجية في قراءة كتب العلم **


 القسم الأول‏:‏ الضوابط التي تصلح لجميع كتب أهل العلم نقدم لها بمقدمة

، وهي أنّ العلم الشرعي ينقسم إلى قسمين، علم مقصود لذاته، وعلم مقصود لغيره، أما العلم المقصود لذاته فهو علم الكتاب والسنة، فقه كلام الله جلّ وعلا، وفقه حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذان العلمان هما المقصودان بالأصالة، وبهما يُمدَحُ أهل العلم، ‏{‏يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 11‏]‏، يعني الذين فقهوا عن الله ـ جل وعلا ـ مراده وعن الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مراده، علم الكتاب وعلم السنة فيه التوحيد، وفيه الحلال والحرامُ، فرجعَ الأمرُ إذًا إلى علمين، ألاَ وهما علم العقيدة، والتوحيد، وعلم الحلال والحرام، الذي هو الفقه، هذا العلمان التوحيد والفقه، مقصودان لذاتهما؛ لأنّه بالتوحيد يتحقق الإخلاص، وعبادة الله ـ جلّ وعلا ـ وحده دون ما سواه، والإيمان بأركان الإيمان حقّ الإيمان، وبالفقه يكون الامتثال في الأمر والنهي، لأنّ الله جل وعلا، جعل دينه أخبارًا وأوامر ونواهي، فالتصديق بالأخبار، هو الاعتقاد، وامتثال الأوامر والنواهي، هو امتثال العمليات، كما قال جلّ وعلا‏:‏ ‏{‏وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏115‏]‏، صدقًا في الأخبار وعدلاً في الأمر والنهي، فإذًا العلمان المقصودان لذاتها في طلب العلم هما التوحيد والفقه، والمقصود لغيره من الفنون ما كان من العلوم الصناعية المختلفة، علوم العربية بعامة ليست مقصودة لذاتها، علم النحو علم الصرف، وعلم المعاني والبيان، والبديع، وعلوم البلاغة المختلفة، وعلوم الاشتقاق وهي ضمن الصرف، ومفردات اللغة، وأشباه ذلك، وكذلك أصول الفقه، أصول الحديث، السيرة، هذه كلّها مقصودة لغيرها، ليس طلبها مقصودًا لذاته، يعني أنّ طالب العلم إذا قرأ هذه الفنون فإنما يقرأها للتوصل إلى العلمين المقصودين، ألا وهما علم التوحيد وعلم الفقه، فقه الكتاب والسنة، فإذا رامَ أنْ يجعل الوسيلة غاية، فإنه لا يكون فاقهًا الكتاب والسنة، وإنّما يكون قام ربما بفرضٍ كفائي في تعلم وسيلة مساعدة لفقه الكتاب والسنة، هذا النوع بعامة

 العلم المقصود لذاته والمقصود لغيره

كتُبُهُ كثيرةٌ متنوعة كما قلنا هذه منهجية تشمل الجميع، فأول الضوابط في ذلك، أنْ تعلم أنّ كتب أي علم من العلوم تنقسم إلى كتب مختصرة، ‏(‏متون‏)‏، وإلى متوسطة، وإلى منتهية، إلى شروح كبار، فأي علم من العلوم، التفسير، شروح الحديث بل الحديث نفسه، والفقه، والعقيدة، إلى آخر ذلك، كتبه ما بين مختصر ومطوّل، من رامَ المطول قبل المختصر، فقدَ منهجيةً مهمة، في استقرار الأصول، والمختصرات لها فائدة، وفائدتها تثبيت أصول العلم، والبناء كما هو معلوم يحتاج إلى أساس قبل تشييد ارتفاعه، فالمختصرات طريق للكتب المتوسطة، طريق للكتب المطوَّلة، فإذًا من لم يحكم المختصرات فلا يديمنّ النظر في المطوّلات، وإنما المطولات في أي فنٍّ من الفنون يُحتاج إليها في معرفة ما أشكل من المختصرات، فالمطولات بالنسبة للمختصرات، كالعلوم الصناعية بالنسبة للعلوم الأساسية، يعني أنّ ابتداء طالب العلم والمتوسط أيضا لا يكون بالكتب المطولات، فإذا لا يحسنُ أنْ نسمع من بعض طلبة العلم المبتدئين أنْ يقول قرأت كتاب فتح الباري، وقرأت المغني، قرأت المجموع شرح المهذب، قرأت المحلى، قرأت نيل الأوطار، إلى آخر ذلك، هذا لا يحسن؛ لأنّه وإنْ قرأ فسيؤول به الأمر إلى عدم التحصيل، سيكون ثمَّ معلومات متناثرة، في قلبه لا يجمعها زمام، ولا يربط بينها رابط، هنا لابدَّ إذًا كمنهجية في القراءة أنْ تبدأ بالمختصر، ثم المتوسط، ثم المطوَّل، في تأسيسك، لكن إنْ أردتَ مراجعةَ مسألة، فتراجعها في أيّ كتاب شئتَ، في المطول أو المتوسط أو غيره، لكن كتأسيس في طلب العلم، لابدّ من رعاية الاختصار، قبل المتوسط، قبل المطوَّل، وما أحسن صنيع الموفق ابن قدامة رحمه الله، إذ ألف في الفقه ما يمثل هذا المنهج، فألَّفَ مثلاً كتاب العمدة في الفقه، المعروف وهو كتاب مختصر، أطول منه قليلا المقنع وله منهج، أطول منه الكافي وله منهج، والمنتهي يقرأ المغني، وسمعت الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى مرّة يقول‏:‏ ‏(‏إنّ الموفق ابن قدامة ـ رحمه الله ـ سبق المدارس الحديثة، فجعل العمدة في الفقه للمستوى الابتدائي، والمقنع للمستوى المتوسط، والكافي للمستوى الثانوي، والمغني للمستوى الجامعي‏)‏، طبعًا بالنسبة إلى أهل العلم الذين يدركون هذه الكتب، وإلاّ فربّما قرأ بعض من في المستوى الجامعي الآن، العمدة ولم يدرك أكثره، فإذًا من المهم في المنهجية في القراءة، أنْ يكون ثمَّ تفريق ما بين التأسيس والاطلاع، وهذه مرة كلمة قلتها وسجلت وهي مهمة لو رُجِعَ إليها، وهي‏:‏ ‏(‏الفرق ما بين العقد والملح في العلم‏)‏، العلم منه عُقَد يصار إليها ومنه ملح مساندة، فمن رام المُلح وترك عقد العلم، فإنّه لن يدرك بل سيكون عنده أخبار كثيرة ومعلومات أو ثقافة لكن لا يستطيع أنْ يتكلم بوضوحٍ في مسألة عقدية، أو في مسألة فقهية، فإذًا أول المنهج العام في قراءة كتب أهل العلم بعامة، أنْ يكون ثمَّ انتقال من المختصر إلى المطوّل وهذا يتفرّع بتفرع الفنون المختلفة‏.‏